الاستاذ الجامعي الذي كان يحاضر بطلاب دراسات عليا في الجامعة اللبنانية، كان مذهلاً. راح يسوق الاتهام تلو الآخر لأميركا، حتى بات كل الشر الذي يحيق بالعرب آتياً منها. بل بات أصل وجودها سحق العرب فحسب.
قال إن خروجها إلى الفضاء كان وما زال لمراقبتنا. كل آتٍ منها، كالسينما والإعلام والموسيقى لغسل أدمغتنا، وجعلنا عاجزين عن مقاومتها. لتدمير «قيمنا» و«تقاليدنا». و«الانترنت» آخر اختراعاتها وأذكاها لمتابعة حربها علينا. للسيطرة على «عقولنا». لتنويمنا مغناطيسياً. لجعلنا أدواتها.
خطابه ليس موجهاً ضد سياساتها الخارجية، بل ضدها كثقافة. وهو، على خبله، عتيق ومتجذر، يجتمع على تسويقه كما هو الأكاديمي والسياسي ورجل الدين والصحافي والمدّعي والوصولي والمتطرف يمينياً كان أم يسارياً.
خطاب تختلط فيه المشاعر القبلية بالقومية بالبعثية بالإسلامية السياسية باليسارية البلهاء المصابة بالحنين ليس الى الاتحاد السوفياتي فحسب، بل إلى زمن الحديد الستاليني فيه.
نشيد تام، قائم على رهاب عميق من كل ما هو أميركي، ما دام آتياً ليزرع فينا انحطاطه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، يزرع فينا المخدرات والاستعمار معاً، يزرع الخنوع والاستسلام، فلا إباء يبقى ولا تبقى قيم ولا أخلاق ولا رجولة.
خطاب يدّعي مؤامرة ثقافية يصير فيها «شعبنا» العربي عبداً لرجل أبيض شرير في طبعه، عنصري مقيت.
فكر يرى إلى أميركا، بصفتها كلاًّ عدواً، ويرفضها بصفتها كذلك، كلاً وعدواً. وما دامت كذلك، ما دامت شيطاناً، فلا خطر منها على كينونته وعلى ماهيته. سيبقى كما هو ولن يتبدل. الخطر يأتي حين يفكك صورها. حين يعلم بأنها، بعكسه، تتعلم من أخطائها ومن تجاربها. انها، بعكسه، ملوّنة. انها، بعكسه، لم تصل إلى اليقين المطلق. ان منها تأتي الأشياء الكثيرة: الموسيقى والأدب والشعر والمسرح والسينما والفكر والعلم والتكنولوجيا والجامعات.. وحتى اليسار بأطياف ألوانه.
خطاب يرى في هجرة العرب إلى أميركا سطواً على الشباب، وليس فرصة ثقافية جديدة لن تلوح في بلاد الحال فيه على ما هو عليه، حيث حتى العرق لا يكفي لأن يأخذ المرء جنسية البلد الشقيق، ولو ولد وعاش ومات فيه. خطاب يمجد ديكتاتوريات، أو كيانات عنصرية دساتيرها قائمة على التمييز. ولا يريد أن يقبل أن حلماً كباراك أوباما يمكن أن يتحقق. أن الأسود، ابن المسلم الكيني، الصاعد من أسفل السلم، المثقف العامل في الحقل الاجتماعي مع اقل الناس حظاً في أميركا، يمكنه أن يكون رئيساً لأميركا البيضاء، الشريرة، مفنية السكان الأصليين، امبراطورية إبليس.
وهو خطاب لا يجابه، لأنه محصن بالتبسيط، حيث ليس أبسط من التزام بلاهات خالية من أي معنى، مثل «الثبات على الموقف برغم كل التضحيات».
في المقابل، هناك دائماً المتغير، البلا عقيدة، الخائن، «ناقل البندقية»، الضعيف أمام الإغراءات المادية.. الليبرالي. المتأمرك. وهي تهم لا يعود يليق الرد عليها بالكلام، بل بالعنف وحده. بالشتيمة، كأقل العنف، كبدايته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق