السبت، 25 أغسطس 2012

المخطوفون والملثم الأبله

لف الشاب رأسه بقماشة سوداء. صنع قناعه بنفسه. لم يتقصد أن يبدو مضحكاً. أراد أن يكون مخيفاً أسوة برفاقه المسلحين. لكن الفتحات الثلاث في قناعه والتي على الارجح قصها على عجل، لم تلائم مواضع عينيه وفمه. ما رأيناه منه كان أسفل الجفنين وأعلى الخدين، بينما فتحة الفم في القناع مالت نزولاً ويساراً. صار يشبه دمية تقلد وجه ولد حزين. اقنعة رفاقه كانت عسكرية وفتحاتها محاكة بطريقة محترفة كي تبدو العيون عابسة. هو، في المقابل، بدا كأنما يسخر منهم. كان اقرب إلى مهرج يقف في الصف الخلفي متواطئاً مع المشاهدين على تقليد رفاقه من خلف ظهورهم. ممثل هزلي. 
لم يكن وحده الذي حول الحدث إلى مهزلة تكاد ترتقي إلى مصاف الفن الخالص. الفن للفن. 
لا يثير إلا الضحك، مشهد المخطوف النحيل الجالس على كنبة بيت، وخلفه يقف ملثمون موجهين الرشاشات إلى رأسه. كأنهم إن أزاحوا الفوهات عن جمجمته، استطاع ان يقفز وينتصر عليهم بقوة ساعديه، ويفر من مكان احتجازه. القابع في مكان اختطافه، يظهر مستسلماً بشدة ليس لخاطفه، بل لسوء حظه الذي أوقعه صدفة مع هؤلاء. يكاد لشدة المفارقة يبتسم متهكماً على نفسه. يكاد، لولا ارتعابه، يقع عن الكنبة ضاحكاً لغرابة اللحظة، ولفرط مبالغة الخاطفين في الاستقواء عليه، وترهيبه، واللعب بمصيره. كأن في ما يفعلون أقل غاية مفيدة لهم، لصورهم كرجال رجال. 
مع هؤلاء، وجيش مستعرضي اللحى والعضلات والرشاشات في الشمال جاء طوفان البلاهة. قبلهم، خرجت حكاية الوزير السابق العجيب وعبواته، لتقضي على أي منطق لبديهيات الأمور. 
بتنا مشرعين لكل احتمال. وحين تدب الفوضى، تطفو على السطح وجوه تبتسم ابتسامات مُلغزة، وتروح، على طريقة السياسيين والمحللين، وتوجه «رسائل» ذات أبعاد داخلية اقليمية ودولية. أناس بخطابات مُلاكة خالية من أي مضمون، تنهل من قاموس مفردات وتلميحات لم يكن لها اي معنى حين اخترعت، لكنها، بفعل الإيغال في الابتذال، باتت عامة. 
يصير الجميع على دراية معمقة بالحدث وأبعاده الاستراتيجية. ويفيض العنف. نتعرض، نحن الخائفين القاصرين عن ممارسة الحرب الاهلية، لدفق من الأفكار والقرارات والملثمين والوشوم على عضلات المقاتلين، يزيد على عقولنا، ولا نملك إزاءه إلا الدهشة المسلية. ففي نهاية الامر، هؤلاء المحللون والمسلحون النزقون البلهاء، الممتدون على مساحة البلد الصغير، هم من سيقرر مصيرنا. ونحن الجالسين على الكنبات في بيوتنا، نشعر بهم كأنهم ليسوا على الشاشات أمامنا، بل يقفون خلفنا، واضعين رشاشاتهم في رؤوسنا، وليس لنا إلا الضحك من الموقف الذي نحن فيه، والذي لا يمكن ان نجبر أنفسنا على الاستيقاظ منه، مع أنه كابوس. 
هكذا، سننفجر بالضحك من الشكل الأخرق للملثم الذي يشبه مهرجاً حزيناً، بينما هو يفرغ رصاصاته في جماجمنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق