السبت، 22 سبتمبر 2012

"نون" العنف


عاصفة الغبار التي هبّت على كتاب وناشطين وسياسيين ورجال دين شيعة، لم تكن بسبب الكلام الذي قالوه للأميركيين ونشره «ويكيليكس» منذ زمن بعيد. ليس في كلامهم المعاد نشره بتصرف الحاكم مسبقاً عليه، والمستغرب والمذهول والمستهجن، ما يدين هؤلاء حقاً. ليس منهم من طلب، مثلاً، ملء صندوق سيارته بالمتفجرات ونفذ طلبه. الإدانة الوحيدة التي استحقوا لأجلها كل البذاءة هي أنهم شيعة لا يجدون في أميركا عدواً، كما أنهم لا يناصرون «حزب الله». 
وهذان، في بلد ديموقراطي، خياران خاصان بأصحابهما. لكنهما، في بلد الناطقين باسم الطوائف، ممنوعان على أبناء الطائفة الشيعية حصراً. هكذا لا يعود منّا، «نحن» الشيعة، من لا يعادي أميركا. وهو عند ذلك خائن يستحق كل ما يطاله من عنف يبدأ لفظياً وينتهي بنبذه من مكاننا ومن وجداننا ومن طائفتنا. وهو، في الأصل شيخ لا يجيد الخطابة، وصحافي لا يجيد الكتابة، وسياسي بلا مناصرين، ومدني يلهث خلف المال، ودوني بلا كرامة ولا شرف ولا إباء. 
وبناء على أوصاف كهذه، هم بلا أي تأثير. ومع ذلك، تشن حرب تشملهم وتتخطاهم إلى كل صوت شيعي معارض، تهدد بطردهم في «ليلة كريستال» موعودة، كي تتحقق البيئة الخالية من أية شوائب. بيئة يراد لها أن تكون صافية اجتماعياً وفكرياً ودينياً وسياسياً وطائفياً. بيئة يرتاح أصحابها والمنظرون لها إذ لا يلوث ناسها بصرهم بصورة أخرى غير صورتهم، ولا يلوثون سمعهم بصوت آخر غير صوتهم. ويرتاحون إذ يغلقون الأبواب والنوافذ عليهم، ويجلسون وحدهم مناصبين العداء احتياطاً لكل اختلاف قد يعترض تصوراتهم عن العالم، حيث الآخر، كل آخر، هو الشيطان. 
في مثل هذه البيئة، نون الجماعة ساحقة وماحقة. نحن الأكثر تجانساً ونحن الأحق ونحن الأقوى ونحن الأذكى. ومن عنده الحق والقوة والتجانس والذكاء معاً، فقد اكتمل. وانتصاراته، وإن كانت مؤجلة، فهي حتمية دوماً في كل وأي معركة، حتى لو كانت منافسة رياضية. من كان يرى إلى نفسه كذلك، إلى أين يهرب من فوقيته ومن فائض استقوائه؟ كيف يخسر تمجيده للعنف؟ ولماذا يخيفه التنوع ما دام إلى هذه الدرجة واثقاً بنفسه؟ 
ليس في إقصاء الآخر أي ابتكار. هو الحل الأسهل . لكنه يرتد دائماً على صاحبه. الإقصاء تدهور إلى «أفكار» هزمت لأنها قامت على أنواع عديدة من التطهير والإلغاء. العودة الآن إلى النازية والفاشية والستالينية والبعثية لن تفيد أي قضية، مهما كانت سامية. كل هذا الرهاب الذي تحقن به البيئة لن يجعلها «نظيفة»، بل على العكس، سيزيد من انغلاقها على ذاتها، ويعمق من خوفها. سيجعلها تدخل في بلورة شفافة ليس فيها أي خدش، لكنها معزولة تماماً عن كل وأي شيء، حتى الضوء لا يمكنه أن يدخل إليها ولا أن يخرج منها. وفي هذا ظلم كثير وخسارة هائلة لها أولاً وآخراً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق