إما أن مفتي الجمهورية
الشيخ محمد رشيد قباني يمزح، أو أنه فقد رشده، أو أنه واع تماماً لما يفعل، والشيخ
اسامة بن لادن يضحك حيث يرقد الآن في قعر بحر العرب.
لم يحدث في تاريخ لبنان
من قبل أن خرج رجل يبتوأ أرفع مركز روحي إسلامي على الناس بخطاب على هذه الدرجة من
التطرف والتهديد والوعيد الموجه إلى طبقة كاملة من السياسيين اللبنانيين من
الطائفة السنية.. وإلى مستقبل بلاد برمتها.
لم يحدث أن خرج مفتيٌ
لينطق بكلام على هذه الحدة قائلاً إن "كل من يوافق من المسؤولين
المسلمين في السلطة التشريعية والتنفيذية على تشريع وتقنين الزواج المدني ولو
اختياريا هو مرتد وخارج عن دين الاسلام ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن
في مقابر المسلمين".
هذا ترهيب غير مسبوق،
وإهدار ليس لدم السياسيين فحسب، بل لكراماتهم أيضاً، وقد اكتشفوا أن لقباني الحق
بأن يخرجهم من الإسلام وأن يمنع عنهم ميتة المسلمين لمجرد أن يوافقوا على تشريع
زواج مدني هو أقرب إلى تخليص المعاملات منه إلى الجريمة التي دفعت رجلا في مقام
المفتي يدب الصوت عالياً حاملاً البلد كله إلى كهف مظلم، أو مغرقاً إياه في البحر
حيث الشيخ الجليل المتطرف.
ولم يبد في البيان أي وجل
من الرجل ما دام يهوّل بالسيف على أبناء رعيته وحدهم، دون رعايا الطوائف الأخرى
الذين لهم رجال دين يحكمون عليهم بفتاوى التكفير.
لكن المبالغة الشديدة في
الصراخ انقلبت على المفتي الذي لم يشعر يوماً بالاستقرار على كرسيه، لأسباب كثيرة
أولها عدم التفاف الطائفة السنية نفسها حوله، ولا لمرة في تاريخه. ومع ذلك، فلا
شيء بيرر له ما ارتكب.
لكن لبنان في الآونة
الأخيرة يخوض في وحول الغرائب. وقد بات اللامنطق وباء فما عاد هناك ما يستحق
الإستغراب، وإن كان هناك الكثير مما يثير الإشمئزاز.
ينبغي الإنتظار حتى يصدر
بيان ثان عن قباني يوضح فيه أن فتوى التكفير وإقامة الحد كانت مجرد مزاح يراد منه
تنبيه اللبنانيين إلى ما ينتظرهم في حال السكوت أكثر عن تمادي تدخل رجال الدين في
حيواتهم من كل جوانبها. ينبغي الإنتظار حتى صدور بيان عن المفتي يكذّب فيه فتواه،
حتى ولو كان هو الذي أفتى فيها. ينبغي الإنتظار حتى لا يسجل أن فتوى كهذه صدرت في
لبنان، بعد 13 عاماً على عبورنا من ألفية إلى أخرى.
ما لم يحصل هذا، فإن
فعلاً مشيناً وقع بحق لبنان اليوم لا يمحى، وينبغي على كل الطبقة السياسية عدم السكوت
عنه. فإذا كانت اهانة المفتي طالت اول ما طالت رؤساء حكومة لبنان الاحياء منهم
والاموات، ثم كل رجل من الطائفة السنية يعمل في الشأن العام، فعلى سياسيي الطوائف
الأخرى وناسها أن ينتبهوا إلى أن الثورين، الأبيض والاسود، أُكلا معاً، وأنه مهما
علا شأنهم، فثمة رجل دين يجثم بسلطة غيبية على صدورهم، قادر في أي لحظة على
سوقهم مرغمين إلى حظيرة الطائفة، وتهديدهم باهدار الدم في الدنيا، وبجهنم خالدين
فيها أبداً.. بعد رحيلهم.
ما لم يكن يمزح، فعلى
السياسيين إعادة المفتي إلى رشده، قبل أن يفقد البلد كله ما تبقى له من رشد، ولا
يعود بحاجة إلا إلى تسييجه كي يعلن رسمياً مستشفى للأمراض العقلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق